Thursday, September 14, 2006

الوقت الذي يشبهك



عبرنا جسر الغياب
في اللحظة الأخيرة من صرير الورقة
كانت المحابر
في ذلك الوقت من منتصف النهار
تهذِّب الحبر والطاولةَ والمفردات
بشاهق الكلام اللطيف
والكونُ على شرفةِ الوقت يلوِّنُ الشفاه بذاكرةِ الشجر
الشجر ملاءة الظّل
وطارد الظّهيرة من شوارعِ النّهار .

في هذا الوقت الرّهيفِ من صهيلِ الأغنيات . ثمةَ شئ يحدثُ دون رغبةٍ يا سيِّدتي . الرُّعاة في حقل العملِ يزرعون وقتكِ بإرهاقاتٍ كثيرة . الغرباء على النّافذة يزيحونَ الستائرَ ويتسللون إلى أنفاق المكانِ . الليل يهرب من خيمتهِ . السائقُ يطرقُ الباب بعنف . كلهم يذبحونَ ضحكةَ الطفولة وهي تنمو بعنايةٍ في هذا الوقت من أولِ الفجر . الضحكة التي تسرد الحكايات الغائبة والشروخ الصغيرة في الصّدر . الوجه الذي عبثت به الأشواك الشريرة في الصِّبا . عراكُ الأصدقاء والصديقات . السباحة في النهر . رسائل الوقت البعيد . الركض في الشوارع والأزقة والبيوت في الحارات الجديدة .
الضحكة من بوابة الأسرار تخرج .
تتسلل من فراغات الأصابع مثل نسمةٍ تمسح الوجه في أول الصباح .
لكنه صوتكِ
أقربُ من شهقةٍ في الصّباح . يكشف الرؤيا . يفتحُ الكون بطائراتِ الطفولة . الكثير من الوقت ظلّ بقرب الضّوء . يفتح شرياناً كالرصيف . لنعبر الطريق نحو السّماء الشاهقةِ في سدرة الروح . الليلُ يشبهُ تماماً ليلُ الذاكرة القريب . رمل الخريف على بوابات البيوت الريفية . الطين الذي يخضرُّ على أناملنا . يصنعُ كائنات الأبنوس . كالآلهة المجبولةِ بالحب . توزِّع الإشارات . كان الوقت منتصف العتمة . يمسك بؤرة الضّوء مثل قنديلٍ عتيق . السّحاب الملئ بالماء يتحفزُ . الأرض تتفتح بالخصوبة . الشجر . الطير . البنات . الأولاد . النباتات . البهائم الأليفة . تنتظرُ شرفة اللّيل الأنيق .

السّماء فتحت شرفةً وغابتْ
ما زال الغيم طريّاً والوقت ليس مناسباً لتأهيلِ المياه
بعد ساعات قليلةٍ ظلّ الرّعد يصرخُ
والسّحاب ينظرُ بنافذةِ البّرق . أي الجهاتِ كانت تفرِشُ الأرض بالرغبات . هي الأرض التي فطرتها المواسم . جاهزة لرحيل اليباب . في الربع الأخير من الليل
كأنّما نبوةٌ حرّكّت أناملها بالبخار
رأيتُ السّماء تُعبَّد الكونَ بالمطر الغزير .
هو الوقتُ
كان يعيش في بيتِ الذاكرة . ينجو من خرائبِ النسيان . الوقت الذي ينالُ المسرات . يحفرُ التفاصيل . هو الوقت البعيد . كتابة الحائط من أجل الحبيبات . الشراك الصغيرة في الخلاء . وصايا الكلامِ الأخير من دفاتر العشق الخجول . هي السيرة الغائبة من حياة الوقت الذي يشبهك . الوقت الذي يشبه أوراق الرسائل . الوقت الذي يشبه أنهار الكون وقت الخريف . الوقت الذي يشبه وردة يانعةً . الوقت الذي فتحَ الينابيع في أّول الصباح . الوقت مثل صغارٍ يضحكون تحت الملاءةِ . يتسابقون في رصد النجوم . ومغازلة القمر . الصغار فاتحة الكونِ على سرير المشاغبات . سرّاق الوقت من ضجر العالم .

في العراء المجاور للمدرسةِ
كنت أناديها
ننزع الحشائش الصغيرة . نترك فراغات تشبه الحروف
حفرنا أسماءنا على الأرض .
كانت تجيد الغناء
وأنا أجيد الكتابة على السبورة الفارغة . تؤدي الأناشيد بألحانِ المغنين .
بكينا .. ضحكنا .. بكينا .. ضحكنا
الليل أوغل في الجنون
أمطرت السّماء من مقلتينا
وصمتنا في المساء الأخضر
الآن
أنظرُ كمن يرى غابات الصّمت تفتح القواميس
الكلام يسيل من شرفة الريح . اللغة مثل طفلة تحفر الطين . الطينُ مشيئةُ البنتِ على رصيفِ الحنين . الحنين تربة الولد على أريكة الطين .
ثمةَ حكايات عابرةٌ
الكهف الذي يفتح بوابتهُ . المكان الذي يأوي الذكريات . المشاوير التي أزْهَرَتْ بين الضّريح والبيت . الضريح الذي أزهرت به أشجار السّدر المثمرة . الضريح خازن الأسرار والنذور الباذخة . الضريح هو الحديقة الوحيدة في بلدتنا . كل هذا من صهيل الحكايات التي عبرت من سنوات الشوق البعيد . تلامسُ الوقت . فاتح الوجد في الينابيع .النداء في الأزل . كصدى ماهرٍ لخربشاتِ النقشِ في الصغر . شبيهُ النقش في الحجر .

أيها القلب الواقف على سبّابة الحنين
أطرق البابَ
أطرق النّافذة
الصبايا العابرات لا يكترثن
الصبيّة التي تخصك تسمعك
تُزيحُ الستارة البيضاء عن بوابةِ الغرفة
تُناديكَ
راعشاً بالطفولة أدخل
الوقت الذي يشبهُ اللهاث الرائق يعرفك
كن هنالك
قريباً من دمِ البنت التي رصفت طريق السّماء
فالغياب بركة لعينةٌ
فراغٌ معبّد بالعاصفة
شرك فاجرٌ يمسحُ الرّقةَ من زجاج الكائنات
بينما العودة
وجه أليف من سيرة العشّاق . نهرٌ يسيل من قمم المرتفعات نحو أرض مسطحة كي لا يتدحرج ثانية . العودة صرخة الأرض أمام الماء
ولهاث الطين نحو شهوةٍ فارعةٍ في الطفولة .

السّاعة تقتربُ من ولادةٍ كونيةٍ . المخاض ليس وجعاً يحرقٌ الجسد / الجسد حياة الكائن . المخاض لحظة ترقّبٍ وبشارات لرؤيا الغائب . الغائب في الذاكرة . يولد بأشواقٍ وانتظارات كانت تحضن اللغة . يقف بالعطشِ الهائلِ على بوابة الصبح . الغائبة في الذاكرة تولدُ في الساعة الثانية بعد منتصف الليل . من بوابة زجاجية تخرج . أوّل ماقاله الهواءُ ـ رائحة العطر الطازج . وصهيل أقدامها الشبيه بموسيقى المغنياتِ في سفرِ الأساطير . الأوراقُ طافحةٌ من كمائن الحقيبة . الأسطوانات عطشى لرشقِ الغناء . هي المرأة التي تشبهُ الكون . صانعةُ الوقت في الفردوسِ الأكيدْ .

رأيتها .
رأيتُ القلب يهتزُّ كرعدٍ يهيئ المطرَ
رأيتُ الأرضَ زاهية تقبِّلُ الصّباح على قارعةِ البّهوِ
رأيت النّساء العابرات
يفتحن الطّريقَ
رأيتها
من خيطٍ ناهزٍ في النّورِ
من لذّةٍ ناضجةٍ في الحبر
تشيع الضّوء كسراجِ آمنة الجميل
امرأة مغسولة في سهول الاستوائية
بفاكهةٍ ما زالت تعانق الأشجار
مثل غزالةٍ ماهرة في الركضِ تطرقُ الأرضَ بأصواتِ الحنين
ولهفة الحقول لمياهٍ رائقةٍ تبلّل التربة
تفتح نواةَ الحياة بين أقواس العاشقين
أشرعت حضور هيئتها كقمرٍ وحيدٍ
وغابت كل الوجوه الواقفة على رصيفِ الممر العريض .
رأيتُها
رأيتُها
رأيتُها
حاضنة الأساطير والأغنيات والأناشيد والكلامِ الأخير في كمائنِ الجسدْ .

الولدُ الذي كنتُ أنا . يرتدي بنطال الجينز الأزرق . والفانلةُ البيضاء / رغبة الكائنة في سلامِ العالم . بيدهِ قصة موتٍ معلن لماركيز . كأفيون لهدم الوقت وهو يتمطى في الطريق إلى المدينة . لكن الولد الذي هنا ليس سنتياغو نصار . سنتياغو نصار قُتِلَ . نصار الذي هنا يفتَحُ بابَ الحياة بوعدٍ رافقَ الروح منذ ملاذات الطفولة . رصفتهُ أوراق الرسائل بأنهارِ الفتوحات والكلام . آخر الليل . ينتظرُ على بوابةٍ واسعةٍ .
الوجوه مسرعة تمرّ
الوقت ثقيلٌ جداً يسير . القراءة الوفيرة لم تكن سوى ذريعة بائسة لتفتيت الزمن
أخيراً
الكون المرصود في أزل الحكايات يخرجُ بثيابٍ عرّفتني بها زهرةُ الشّمس
رأيتها بلون أميرةٍ من ينابيعِ الأبنوس
تطرقُ الأرض كفرسٍ في شارع النيل
الكّرزُ لون الغطاء
الصّحراء بعذريتها تلف خريطة الكون
الحذاء يشبه الكّرز تماماً
خلف نظارةٍ شفافةٍ تبرق عينان مشعّتان
إمرأة من آلهة الإغريق
خرجت من بين حنايا المدينة اللامعةِ الخُطى
كنزيف الملكات الشاهقات
تلقى بنفسها في رائحة العطر وأحضانِ العاشق
صرخَ الدّمُ
هي الزهرة التي طويتُ الأرض في اللهاث عن شرْفتها
عانقتها مثل رسولٍ أيقظته الآلهة . كانت تحدِّق في الذاكرة . لا أصدق ! . قالتها بابتسامة شرخت تراب الغياب . في المصعد الخالي تماماً . قبّلتها كطفلٍ يقتله الحنين . الممرُ الطويل كان بهيجاً ذلك الصباح . الكون فتحَ أسراره بشهوات الغيوم وبلل الأرض . الرّحلةُ نحو المجاهيل صارت دهشة الينابيع
الألفة التي رأيتها تسيل من قلب الكاهنة
رعتْها الطفولة في الأكواخِ
وبّنّتْهَا المعاول في سرداب الروح
المكان بهيجاً وراقصاً كعروسٍ عجنتْها الصّديقات في بيت الجيران
انتهى فارق الوقت بين الليل والنهار
ورغبة الرفاق في شاي الصباح والوجبات العادية
ركضنا في الغرفةِ
والأزقة والشوارع والأسواق وقاعات السينما وصالات الطعام
ومقاعد العرباتِ وبهو الفندق وردهاتِ المطار وبيوت الأزياء
شربنا كؤوسَ الليمون والسبرايت والبرتقال والحليب الطازج ...
وقفنا على السياج
الكائناتُ مثل أمواج تسيرُ
السلالم المتحركة كأسراب نملٍ تلمُ قوت المساء
ومشينا
كعصافير بين عُش الخريف
تذوقنا العصير دافئاً من شفاهٍ بللتها السّماوات .

17/05/2005

أشتاقُ لورقةٍ طازجة

محمد الصادق الحاج
يا رفيق الشوق والمحبة والكتابة ...في هذه اللحظة بَرَقَ في روحي رسول الحبر .يبدو لي انه يبحث عن ورقة " فلسكاب " يغويني لأكتب على جسدها رعونات الليل، رسائل الغربة، سيرة الفقدان، أسئلة الكتابة، مفاتيح الكون، حوارات الحياة اليومية، أشواق صداقتنا التي ذهبت بنا إلى محبة رسوله، أو هي أنهار المحبة النبيلة التي ظلّت ينبوعاً أسطورياً يفتح كهوف ذاتنا نحو مغاليق صلبة، نعبرها بجنونِ المعرفة، لنرصف طريق أشواكها بتواصل إنساني ماهر .
( 2 )
إنه الحنان يا محمدوردة الروح الهاربة من جحيم الفقدانإنه الحنان، النهر الذي يُواقعُ الأرض بمحراث المياه الخالقةنهار يكشف عتمة الذات وهي تقترف الرّحيل لذّة تقتل الموت بعناق المسافات إنه الحنانالقادم من سلالة المحبةِيرصف الورقةَ بأطفال الحبر الأزرق ويُغنَي في سرداب الروح أغنية " البلابل - قطار الشوق " .
( 3 )
في هذا الوقت المشحون بالعاطفة والمحبة والحنان وسيرة الغياب، تذكّرت تلك الرسائل يا محمد، التي كانت مثل قطار يرحل بي من محطة الصمت والغربة والوحشة والفقدان والحنين للشوارع والبيوت والناس والشوق إلى إلى ورديات البوليس وتجليات " عَشَّهْ باكستان " وهي ثملة تدلق برقاً ناصعاً من رؤيا الكون، رغم أنها سليلة الشوارع والأزقة والقمامة وصديقات الليل الساحرات، تذكّرت مشاوير أُمْ دُرْمَانْ ومنتدياتها وصداقاتها والشوق إلى اُمْ بَدَّهْ وتفاصيلها وتسكعاتها وجنونها الزاخر الذي يخصني ودُكَّانْ أحمد الأمين - نافذة الحياة اليومية في ذلك الشارع الواسع والميدان العريض .... وحتماً لن تسقط من بلّور الروح " مبروكة " تلك القرية التي رّعّتْ طفولتنا بأصوات أراها الآن أكثر وضوحاً مثل إلهٍ يضخُّ مياه إكتشافاته في صلصال الخليقة بعناية ماهرة . كانت تلك الرسائل تسد الكثير من الفراغات التي أزهرت في الروح بفعل الرحيل ومغادرة تلك الذاكرة الحيّة، التي تتوالد يومياً في تلك المراعي الساحرة .
( 4 )
أذكر يا محمد رسالة خلقك الأولى،صراخ أمّي المرعب وهي تتهيأ لولادتك بالمنزل كعادة القرويات جميعاً، كان الوقت عصراً، لم أستطع احتمال ذلك الألم رغم فرحة الشوق التي تسكنني تجاه كائنٍ جديد كنّا نتمناه بنتاً، إضافة لأماني أختنا الوحيدة بين أربعة أولاد، هرباً من هذا الألم الذي تعيشه أمي تحت جحيم المخاض أو لَذّة المخاض، ذهبت إلى أحد أطراف القرية القريب من بيتنا، أنضممت لمجموعة من الأطفال كانوا يلعبون " التِّيِوَهْ "، كنت ظاهرياً أبدو كمن يشارك في اللعب، لكني في الواقع كنت أرتعد من الخوف على أمي ..دخل الليل، عدت إلى البيت، لم أجد أمي، كانت لحظة انتظار غارقة في الهلع والخوف، تعثرت ولادتها فأُخذت لمستشفى أُمْ جَرْ المجاور لقريتنا / ياااااااه ما هذه المصادفات الغريبة، كل المدن التي حضرت هنا في هذه الكتابة تبدأ بـ أُمْ / أُمْ دُرْمَانْ / اُمْ بَدَّهْ / أُمْ جَرْ / وكلها ذات صلة مضيئة بهذه الذاكرة التي تتأمل حياتها، ربما هذا جزء من الحنين والمحبة الدائمة للأمهات . يوماً قلتُ في جزء من قصيدة " مهاجر " :
يا لهذا الغريبينامُ على شرفة الرّيحخائفاً من صهيل الأمهات في الحلم البعيد .
في وقت متأخر من ذلك المساء، ولدت أنت يا محمد، فرحنا لأن أمي تخلصت من ألم الولادة وحَزِنّا بضجرٍ ظاهرٍ لأنها لم تنجب لنا بنتاً، وعادت بك من المستشفى ربما في اليوم الثاني أو بعد ذلك، وتبدَّدَ الحزن، حزن أنها لم تنجب بنتاً، وفرحنا بكَ، خاصَةً وأن المسافة بينك وعاطف أربع سنوات، وربما شعرت بحزننا ذلك وشاركتنا الرغبة، فقد جاءت بعدك " رندة " بوقت قليل، أختاً ثانية وحتى الآن، أذكر طفولتك الرائعة وكيف كنت أحملك وأذهب بك خارج القرية المُغَطَّى تماماً بأعشاب الخريف، تحبو أنت وتعبث بالعشب، لم يكن هنالك حدائق ولا أماكن ترفيهية عامة، كانت هنالك الطبيعة طازجة تنمو على صوت المطر والتربة اليانعة وموسيقى العصافير التي تحضر بكل أحلامها إلى القرية في هجرتها الموسمية ، وأذكر من المشاهد السابقة لهطول المطر سعادتنا حينما يُنادى علينا نحن الأطفال ليُحضر كل واحد منا إناء ملئ بحبوب الذرة اليابسة أو الليِّنة أو اللوبيا أو الفاصوليا وتخلط وتطهى جميعاً في قِدْرٍ ضخم مع الماء ولحم بهيمةٍ تُذبح خصيصاً لهذا الغرض، بمثابة نداء كي يهطل المطر، يُمْتعنا جدا هذا الطقس الذي يتم في الشارع، تحت ظل شجرة حاج الصديق . وبحجم الإناء الذي أحضره الطفل يُمنح نصيبه من تلك الوجبة اللذيذة جداً بمغايرتها ومخالفتها للمألوف وطقس إعدادها النادر لنلتهمها بنهمٍ في الشارع ونعيد الإناء فارغاً للبيت .
( 5 )
بمناسبة عيد الأم لهذا العام 21 مارس 2005، طلبت مني الصحفية بجريدة الحياة اللندنية فضيلة الجفال إن كان لدي رسالة لأمي بمناسبة هذا العيد أن أكتبها لتنشرها ضمن تحقيق دعت آخرين للمشاركة فيه، قبلت الدعوة فوراً وفرحت جداً بهذه السانحة الجيدة، إذ أنها المرة الأولى التي أُوجهُ فيها كلمة مكتوبة لأمي على إيقاعات عيد الأمهات وهي الأمية التي لا تقرأ ولا تكتب، أذكر كنت أكتب لها رسائل عادية تتعلق بالسؤال عن الحال والاطمئنان لتُقرأ لها أو أرسل لها رسالة مشتركة هي وأبي / ذلك الكائن الفريد هو الآخر / وهو يقوم بقراءتها لها، وقد كان، كتبت لها رسالة قصيرة بمناسبة عيد الأم ونشرت الصحافية فضيلة الجفال ذلك التحقيق بجريدة الحياة تحت عنوان " أبناء يعتذرون إلى الأم في يومها ... لم نكن نعلم " وكانت كلماتي لها :هاهو اليوم عيد الأمإشارة رمزية، عبرها أدلقُ مياهاً وأشواقاً ومحبات كثيرة . أشياء لا تُحصى بقواميس الكون كنت جاهدة دائماً لتخلقينها وتفعلينها لأجلنا وتغمرينَ دروب حياتنا بهالذلك صدِّقينيلن تكفي أكواب الخريف كلها لتردَ لكِ بعضٌ من مطر الحنان الذي سكبته روحك بداخليولكِ أبداً أيتها الرائعة في صنع الحياة بحرٌ من قداسة لن أدعها تبهتْ وأنا أعرف بحالٍ حتمي أن كل هذا لن يعدل جزءاً يسيراً من ينابيع محبتك الأزلية التي ما زلت أرْعى في حقولها بأمانٍ ساطعٍ بل وجودكِ بداخلي هو أعظم هدية إنسانيةتجعلني دائماً أغتسل في محرابها لأواجهَ هذا العالم بأحضانِ أمٍ نادرة .لك يا أمي " آمنة " وكل الأمهاتِ رفيف أرواحنا ..... بأمل أن نحجب هجير الحياة اللاسع وقسوتها عنكن، ونفرح بكن يا ينابيع الكون الآمنة .
( 6 )
إنها الرسائل تفتح صهيل الذاكرة والذات ....تفتح النوافذ المغلقة وأنهار السيرة الراكدة ...اشتقت لذلك الوقت / ذلك الطقسطقس الكتابة بالمواد الخام الأولية - القلم والورقة .البريد الإلكتروني رغم إمكانياته واحتمالاته الأكثر إتساعاً وجدواه الأكثر نصاعة مع هذا الواقع الراكض بجنون نحو سباقات لا نهائية، ظل هذا البريد الإلكتروني يستهلكنا في الرسائل التلغرافية القصيرة والحكايات العادية في الماسنجر التي تخضع كلها لجنون الوقت ولهاث الإنترنت وسرعتها ودروبها الشائكة والوعرة وكمائنها التي لا تكف عن إغواءات أبدية ومستمرة .البريد الإلكتروني خلقَ رسائلَ تشبه ثقافته وتشبه بيئته والراهن المشتت والممزق والمرتبك والشائك في احتياجاته ومعادلاته ومتطلباته ونسَقه المتشابه .... وأيضاً وفرة الهاتف التي تناسلت في كل البيوت وفي كل يدٍ أحرقت الكثير من مبررات الرسائل بمخيلتها الوفيرة وقوة دفعها السحرية وركلتها في ركن قصيٍ من إرث الماضي البطيء . واختفى طقس الرسائل بأصواته الطازجة وإنتظاراته اللذيذة التي تكشف عن رغبةٍ فارعة لقراءة نصوص أخرى تنتمي لجنس أدبي / ثقافي / اجتماعي / إنساني، اسمه الرسائل، يتسكع في الطريق على حقيبة مسافر أو في اتجاه صندوق البريد بما يمثله من صلة سحرية مع هذا العالم / الرسائل .
( 7 )
صَدِّقني يا محمدفي هذه اللحظة احتلتني تلك الرغبة الجامحة وذلك الطقس في الكتابة / كتابة الرسائل بحبر يخرج كأنما يسيل من أعالي الغيب، الغيب الوحيد الذي نملكه - الذاكرة بكائناتها التي نخلقها ونرعاها بمشاهداتنا، بقراءاتنا، بسلوكياتنا، بصداقاتنا، بالمشاوير اليومية، بالانتهاكات المستمرة لبراءة الفطرة الخاملة، باللهاث المجنون نحو رياحٍ تشتهي بذار اللغة وعلف المخيلة لتنجز نص الروح وأشجار الكون الخالدة .الرياح واحدة من كهنة الحرية المخلصين يا محمد، لا تعرف الموت ولا تعرف الصمت الطويل، الرياح القادمة من سلالة الحركة هذه الفاعلية المدهشة، الكافية لكشط غطرسة الشمس وتحريك الغيوم الراكدة وزلزلة الجليد المطمئن في النوافذ والطرقات ونثر بذور الشّجر النادر في حقول الأرض النائية . الرياح رفيقة العشب في هجراته الكثيرة ومرشدة الطيور إلى أوطانها العديدة .
الرياحشبيهة الرسائل .هكذا تبدو لي سيرة الرياح وأنا أتأمل سيرة الرسائل .الرسائل شبيهة الرياح .الرسائل صهيل الذات وغابة الروح المفتوحة لكل الوحوش كي ترعى بسلام، كي تركض في دهاليز الداخل وتُخرج ما قالته العتمة وما نسجه الضوء وما اقترفته الذاكرة وما أنتجته المخيلة من نبوءات ...الرسائل هي سيرتنا الذاتية الوحيدة الصادقة في ظل واقعٍ مهشم وخائفٍ ومقموعٍ ووجل، لا يحتفي بكتابة السيرة الذاتية كعمل أدبي مثلها مثل الرواية والقصة والشعر وأدب الرحلات ربما يعترف بالسيرة الذاتية المهادنة جداً والمتفقة تماماً مع الرغبة الاجتماعية السائدة بكل صناديق أسرارها وحشمتها .ومكتبتنا السودانية فقيرة جداً في أدب السيرة الذاتية بل المكتبة العربية بكاملها ليست بأحسن حالاً، لكن يجب أن لا ننسى المغربي محمد شكري، وحده الذي أنتج سيرته الذاتية الصادقة وبمهارة إبداعية فذّة ، التي أصبحت نصاً أدبياً رفيعاً يحمل بداخله إجابات ثقافية وجغرافية وتاريخية واجتماعية ونفسية واقتصادية وإنسانية شاملة، ليست سيرة خاصة بالنزوات والطيش وحياة المجتمع السرية فقط كما يرى البعض، بل لو حاول محمد شكري كتابتها وفق المسموح به، لقدم للقارئ سيرة مجتمع كاذبة وزائفة وصناعة حياة مختلفة لا تخصه .لذلك لو قُدر لكائن أسطوري أن يجمع رسائل كاتب ما أو سياسي ما، مُدجّن تحت الخوف من كتابة السيرة الذاتية بكل ملامحها، لو قدر لهذا الكائن الأسطوري أن يرصد ويجمع تلك الرسائل التي كتبها الكاتب أو ذلك السياسي منذ أبجدية الكتابة التي عرّفته كيف يكتب الرسائل وحتى الراهن الذي يعيشه، أعني رسائله إلى أهله وأصدقائه وحبيباته وصديقاته وأعدائه ومناصريه ومعارضيه ومخالفيه والمتفقين معه، لاستطاعت تلك الرسائل أن تكشف كل ما يمكن أن تغيبه السيرة الذاتية الخاضعة لقوانين الحشمة ولأفادت هذه الرسائل في تكملة النص الغائب والغاطس في تلك السيرة الذاتية لذلك الكاتب أو ذلك السياسي أو أولئك الذين أدرجوا سيرتهم الجزئية في كتب تحت مسميات " حياتي " أو روائيون ينثرون سيرتهم في كتابات روائية محايدة وأبطال وشخصيات يمكن التخلص منهم ونكران حياتهم .
إذن هكذا يا محمد يجب أن تكون للرسائل محبتها الخاصة، وهكذا لمعت في روحي سيرة الرسائل القديمة، تذكرت رسائلنا العاصفة بمحبتها وحواراتها وآرائها، تلك الرسائل التي كتبناها خلال التسعينات بعد خروجي من السودان وأيضاً لا يمكن أن أنسى رسائل صديقنا الشاعر والقاص ستيفن جوزيف ميان، الذي أختار هذا الاسم كحق إنساني محض، وكتفسير لمفردات تخص رؤيته وحريته وعلاقته بهذا العالم، أذكر رسالته التي ختمها لي : عذراً حبيبي، سمَّيْتني : ستيفن جوزيف ميان، وظل من وقتها في منتصف التسعينات يوقّع أعماله وينشرها بهذا الاسم حتى وقت قريب، لكنه يا محمد في آخر مكالمة من منفاه في أميركا، تقريباً في سبتمبر 2004 قال لي قررت أن أعود لاسمي : نجم الدين علي جمعة وأرجو إذا نشرتَ لي أي نص أن تنشره باسمي الحقيقي .وأيضاً لا أنسى رسائل صديقتي وحبيبتي وخطيبتي - زوجتي لاحقاً اعتدال، وذكرت كل هذه المحطات الخاصة باعتدال لان لكل مرحلة نزقها وجنونها ومشاكساتها ومحبتها وصوتها ومفرداتها وكهوفها ورسائلها، خاصة أن ما بين أول محطة وآخر محطة أربع سنوات متتالية من الغياب نسجت سفراً ضخماً من الرسائل وسيرة الروح والذات ومستودع أفكار وتصورات واحتمالات . الرسائل، أجزاء من سيرة طويلة، يجب نمسك بخيوطها وخرائط روحها.
( 8 )
الآن يا محمد تمر علينا عشرة أعوام ولم نلتقي، إنها سنوات حكم الإنقاذ بكل بؤسها وعذاباتها، زرعت صخرة الرحيل والهجرة والمنفى في كل بيت، حولت السودان إلى مستودع أحزان كبير، حولت السودان إلى مستعمرة تديرها عصابة حاقدة على المجتمع والناس، حيث غادرت أنت للقاهرة بكل ضجيجها وحياتها الصاخبة وحيوتها وربما إحباطاتها من زوايا أخرى وستيفن جوزيف ميان إلى القاهرة ثم أميركا وصار الهاتف صلة التواصل اليتيمة بيننا وأنا قبلكم غادرت الىالرياض، وكما قال صديقي الشاعر عصام عيسى رجب حين سئل في حوار لجريدة الزمان اللندنية عن علاقته بالشعر والشعراء هنا ومدى التواصل الشعري هنا، قال نحن هنا لأسباب مهنية وليست شعرية، ربما لم يُرِد أن يقول لم أتعرف على هذا الوجه هنا، لذلك يا صديقي تستهلكنا آلة العمل الطاحنة وأي فعل آخر خارج طبيعة العمل والمهنة التي نؤديها يحدث فقط ضمن هامش صغير من الوقت، حتماً لا يشبع الروح بما يكفي من كائناتها التي نحبها، القراءة، الكتابة، الأنشطة الثقافية وما إلي ذلك . فالواقع الثقافي هنا يبدو سجيناً في وتيرة معينة ونشاطات طقوسية يعلو فيها صوت الشعر الشعبي والتجارب التقليدية بدرجة عالية جداً والأندية الثقافية المنحازة للرسمي بكل ترسانته المحافظة، واقع ثقافي لم يسعى بعد للانفتاح على تجارب الآخرين بداخل رقعته الجغرافية بل حتى لم ينفتح على تجارب أبنائه الأكثر حداثة وتجاوزاً للنص التقليدي ولقد قرأت نصوصاً شعرية وروائية وقصصية عالية المستوى ورفيعة جداً في حفرياتها الإبداعية المتميزة لكتاب محليين استطاعوا أن يتجاوزوا محابس الداخل ويخترقون دروباً وعرة وشائكة وينسجون لهيب أصواتهم العابر لمتاريس الواقع المحافظ.
( 9 )
أخي محمدظللت في كل إجازاتي للسودان لا أجدك هناك، وهذه واحدة من برك الفقدان المريرة، أي أن وجودي هناك ظل دائماً ناقصاً والأصدقاء كلهم يسألون عنك بشوق ساطع كأنما كانوا ينتظرونك قادماً معي أو كانوا ينتظرون مني إجابة مني بقرب عودتك لهم . يسألون عن روايتك " هيسبرا " متى ستصدر وعن " جنائن الهندسة " وعن " التماثيل العزيزة " وعن نصوصك الجديدة واقتراحاتك المستمرة في جمالياتها على مستوى النص الذي تكتبه ورغبتك الدائمة في كتابة مختلفة ومغايرة ومغامرة .وهذا هو الناقد محمد الربيع محمد صالح في حوار أجرته معه جريدة الرأي العام السودانية في 18 فبراير 2005م الذي كان هنالك في إجازة قصيرة قادماً من دولة قطر، يقول عنك شهادة تراهن بقوة على مشروعك الإبداعي : " محمد الصادق الحاج، أقول عن تجربته بمنتهى المسئولية أنه أحد أعظم الكتاب المعاصرين وأعلن استعدادي للمنافحة عن هذه التجربة والدفاع عنها وتبريرها نقدياً، محمد الصادق الحاج كاتب جسور ومقاوم كبير تقصر قامة المؤسسات الثقافية عن نشر إبداعه الكبير بما يحويه من كشوف معرفية، هو كاتب رفيع بالمستوى المحلي والإقليمي والعالمي ."
( 10 )
محمد كيف هو الصديق الشاعر أمير شمعون، رفيقك في الكتابة والغربة والغياب والوحشة والانتظار وشوارع القاهرة والكثير من الأحلام والبؤس والآلام وماذا أنجز من كتابات أخري بعد مجموعته الشعرية " التي بعد البرجل " هذا العمل الشعري المغامر والمختلف والذي يبشر أيضاً بمشروع شعري وكتابي يخص أمير شمعون ويحمل فرادته وجدته ومغايرته وجرأته العالية .وصديقنا الجميل الشاعر ناجي البدوي الذي كنت كلّمتني عنه منذ سنوات وأرسلت لي بعض نصوصه، إلتقيته في السودان وأنت غائب، كان دائماً قريباً مني، إنساناً نبيلاً وشاعراً عظيما، يقتله الشوق والحنين إليك، ويكتب بمحبة عالية للنص وإرهاصاته الجديدة وفي مقطع من قصيدته " الرغبة يا قلنسوة قمامتي المضيئة " يقول :
للحنانِ والشَّغفِ الأمينلشبابيكِ الإلفةِ المُطلّةِ على شوارعِ يأسيلعضلاتِ المياه المجنونةِللرِّيشِلتقريعةٍ حادّة ثَقَّبتنيسأضع القُلنسُوةَعلى رأس الريحوأرقص ......
( 11 )
إنه الشوق يا محمد لورقةٍ طازجة ما زال مُورقاًورسول الحبر الطازج الذي دخل عليّ وقادني لكل هذه المحطات والإشتياقات والتفاصيل لم يكمل مهمته الرسالية، لقد ورّطني على صفحة الكمبيوتر البيضاء، وجعلني أخدش براءتها بالكيبورد ولم يمارس غوايته الكاملة في استدراجي لورقة " فلسكاب " أختصها بكل هذا الحنين وأضمها لسلالة الرسائل السابقة من منتصف التسعينات وحتى نهايتها وبعد ذلك بقليل .الأكيد أن الذي هزمه هو الآخر /أي رسول الحبر الطازج / هي سطوة التكنولوجيا والإنترنت كواحدة من أبهى تجلياتها وانتصاراتها على ذاكرتنا التقليدية وشهوتها التقليدية ورغبتها الأثرية في ذلك الطقس اللذيذ من كتابة الرسائل ودلق آبار الذات كلها في ماعون الورقة بسائل الحبر الذي يحبه أي من كائنات الأرض كيفما شاء .حتماً سأزورك هذا العام بالقاهرة ونفتح كل الكمائن التي كاد أن يأكلها الصدأ، ونكشط عن دماء الروح غبار السنوات الفاجع ونرى كل ما قالته هذه السنوات في سيرتنا وهذا العالم .
ولك صهيل المحبة الأبدية .
أخوك نصار الصادق الحاج

قديسة الجسد




زهرة الرمل
تفتح شهية الضوء المقتفية أثر الليل
بذئب العراء الذي يكشف الهاربين من عتمة الداخل
يخرجون بنية اللعب وراء الغنيمة قبل غياب القمر
لأسبوعين يهدر هجرة العاشق
في فناء البيت المحروس بعكاز العائلة
والعاشق
يمزق سنارة الظلام بعودة خائبة
في انتظار القادم من حرّاس السماء
تدخل القديسة
قديسة النائم يتعبد في ذاكرة النهار
تراود إبليس الجسد
بخيانة نزيهة تضئ الكائن في غيبته
بفاكهة تطعم الروح
جمرة الدخول في حرم النوم
بذاكرة تتشهى حريم النهار
هو الحلم الوحيد
كلما ذهب القمر
يصنع الشهر القادم من بلّور الضوء في صريخ الجسد
يلامس الرطوبة بين أصابع الليل
المرصوفة بين المسافة
وبياض الرمل في كف الأنيسة
يفصد الحجر في مطبخه العلوي
بما اكتنزه من زهرة الريح وخفة الماء
يغسل الغبار في حوض الصباح كي تشطف القديسة ثوبها
ويذهب العاشق لخيمته
مثل العابر جنة اللهو في قيامة الرؤيا
يفتت أحجاره بالرغبة الخرجت من أنفاس الرمل
التي تفتح الخريف لغابة من جسد
يشتعل في قبر الذاكرة بالزيت النازل من خيط القمر
والنجمة
ضئيلة تلملم بقايا تنورتها
بعد ليلة قاسية في زحزحة الظلال
من وجوه الأكواخ المكتظة بأوراق البنات
والقديسة ما زالت تلهث خلف النجمة
وهي تضئ الليل
تطرز منديل العاشق
بصبايا من رمل الروح الواسع
ذاكرة تمسك نبع القرية
من زمن جاء أخيراً يسرد قصته
في ورق يذهب مثل جنون العابر
والنافذة في الكوخ القديم تتسع لهذا الطقس
تقبض المياه العالقة بأشجار السماء
كأنها الوردة
التي أهدتها حواء للبرية
صباح الخروج نحو قاطرة الطريق.

مثل طائرٍ تمسحُ لهو الذاكرة


بياض القمر
اللهو في الكثبان
يُضحك السماء
بقمرٍ ناشز يتلذّذ برؤية الرمال يحركها النشيد
والعابرين إلى سهل في البادية
على حواف منازله
ثقوب تسمح للفتيات باصطياد الصبيان .

محطة
تخرج البنت برائحة الليل
تبيع الجسد بشهوة واحدة في اللحاف الأخير
تنام عليها مثل عشب متسخ بروث الكائنات
تفسح الطريق خاويا من عروش التماسيح
للقادمين من نبتة الليل
أو شهوة النهار
المسروقة بوجل من قرع الأبواب
مثل نهر يمشي بحلم هائل نحو المنحدر
أو كرة تدحرج نفسها تحت الصفيح
تنامُ مثل حمامةٍ تعبتْ من الليل الطويل .

تخوم الذاكرة
تقرع الأنثى أبواب الدخول
بين الحظائر
والبنايات في سوق النساء
تلوّن الطريق
بجسد يحصد مهارته من تخوم الذاكرة
للقادمين من سهول العتمة
وأشواك الغريزة
في بيت الأبوة الحزين .

توبة

حينما تموت أشجار الفقر
التي فتحت بوابة الهزيمة
تخرج البنت من حفرة الرماد
والبكاء منتصف الخراب
تشدو بصوت الضوء في صحراء غربتها
مثل طائر
تمسح لهو الذاكرة
بالمصابيح التي أشعلتها براكين المحبة
في بساط الرحلة
والوقوف على مشارف الضوء .
نداء
تنهال
بصراخٍ فاجع حد الكارثة
النساء أنهكن العاشق
بزجل الحرب
والجثث تحولت إلى سماد .

هامش
ذهبت تفتش عن بقايا الليل في ألوان غرفتها القديمة
والصديقات المكثن على لحاف العشق
يغرفن المدينة مثل حانوت يبيع الشاي و التمباك والضحك الكثيف
عادت بحفنة ذكريات من نساء كن في تاريخها يحصدن آلاف الزبائن
الآن يغسلن الأواني
والملاءات التي نامت عليها منذ أوراق الخريف
وأطياف بعيدة من حكايات الصبا العابر

As Seen On TV
Free Web Counter
As Seen On TV